الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

الفصل 4 - شارع رمسيس ج3


شمس : حسناً سيدي الباحث إن اجتهادك البحثي تضمن أكثر من إشكالية تستوجب الرد عليها ، وإن أول إشكالية  , أن قوم عاد من أهل مصر ، ودليلك أن الله وهبهم جنات وعيون ، و الرد على هذه الإشكالية أن خريطة الطقس المناخي للأرض قد تغيرت على مدار السنين , فقد كانت شبه الجزيرة العربية مروجاً وأنهاراً قبل أن تصبح أرضاً صحراوية , وذلك بنص حديث رسول الله " لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا "، إذن كانت شبه الجزيرة أرضا خصبة مزدهرة وليست صحراء قاحلة ، وقد مر على الأرض أربع دورات جليدية بينهم دورات دافئة ،  لقد كانت شبه الجزيرة أرضا خصبة خلابة ، بل أن الكثير من علماء الجيولوجيا والآثار والمستشرقين يؤكدون أن رمال شبه الجزيرة تُخفى تحتها آثار حضارات عظيمة وراقية ، ومما يرويه شيوخ شبه الجزيرة عن نسر سيدنا سليمان أنه كان نسرا عجوزا ، فسأله سيدنا سليمان عن الملوك الذين عاصرهم فقال : عاصرت الملك " شداد بن عاد " فقال سليمان : وأين جنته ؟ فأخذه النسر حيث تكون فوجدها مردومة بالرمال فأمر سليمان الريح بإزالة الرمال , فرأى جنة عاد , ثم أمر الريح بإعادة ردمها كما كانت ، ربما تكشف لنا الحفريات يوما عن آثار تلك الحضارات القديمة .

أما الإشكالية الثانية , فهي السؤال الذي طرحته أين أدوات المصريين التي قطعوا بها الأحجار ؟ وبالمثل أين أدوات عاد التي قطعوا بها الأحجار ؟ فكلاهما كان سيحتاج أدوات لتقطيع الأحجار بهذا الشكل المنتظم فهذا ليس دليلاً ينفى عن المصريين بناءهم للأهرامات .

طرحت إشكالية ثالثة ، أن الفراعنة سرقوا أبنية عاد ونقشوا عليها كتاباتهم ، فلماذا لم ينقش عليها قوم عاد أنفسهم ؟ وإذا كانت البرديات ونقوش الجداريات كاذبة فلماذا لم يُكذب كل ملك من ملوك الفراعنة من سبقه , وينسب كل الأعمال التي سبقته إلى نفسه , لنعرف من التضارب أن جميعهم كاذبون ؟ إن الحضارة المصرية لم تكن أبنية فقط ، بل كانت طبا وفلكا وموسيقى وعلوما كثيرة , فهل اكتفى قوم عاد بالبناء فقط , وكان المصريين أصحاب سائر العلوم المختلفة ؟ أم أن الواقع يقول إنها حضارة متكاملة الأركان والعلوم , والدليل على ذلك المومياوات التي تم تحنيطها لم تكن لقوم عاد العمالقة ، بل كانت لبشر ذوي أحجام عادية ، إذن قوم عاد لم يعرفوا التحنيط ، فالمنطق يقول أن العقلية التي استطاعت تحنيط المومياوات لآلاف السنين هي نفسها التي شيدت الأهرامات . 

في تلك اللحظة قطع كلام " شمس "انفعال أحد الحضور المصريين أسمه " محمد عمران " وهو يقول : لا عليك "مستر شمس " لن نقول أن عادا هم بناة الأهرام , لكن الجن هم بناة الأهرام , وهو ثابت بكتاب الله أن سيدنا سليمان قام بتسخير الجن ، ولا أحد ينكر أن الفراعنة كانوا أباطرة السحر ، لا أحد ينكر هذا .
شمس : وكم هرم قام ببنائه الجن ؟، ولماذا فشلت المحاولات الأولى لهم في بناء الهرم حتى انه يوجد هرم غير مكتمل؟ ، وهناك سؤال أخر ، هل للجن أياد بيضاء على كافة العلوم والفنون في مصر القديمة  ؟
السادة والسيدات إليكم المفاجأة التي لا ولن تُصادم العقل بل وتثبت الإعجاز العلمي في آيات القرآن الكريم ، فقد أجريت عدة أبحاث على أحجار الهرم أثبتت أن الهرم تم بناءه من نوعين من الأحجار ، أحدهما أحجار طبيعية موجودة بقاعدة الهرم ، والأخر أحجار صناعية من خلال مزج الطين الكلسي المعالج حرارياً بالموقد ، أي الطين المُنصهر مع الملح , بعدها يتم تبخير الماء منه مما يشكل مزيجاً طينياً ، ثم يُحمل هذا المزيج ويُصب في قوالب خشبية  في المكان المخصص على جدار الهرم لتأخذ شكل الحجر الطبيعي ، أي أن الهرم تم بنائه بحمل الطين وصبه في قوالب كما يفعل عمال المعمار حالياً في مصر ، عندما يحملون " قصعة المونة " ويصعدون بها في بناء العمارات ، وقد نُشرت تلك الدراسات في جريدة التايمز الأمريكية  بعددها الصادر بتاريخ أول ديسمبر2006، كما تقول دراسة أخرى أجراها العالم "ميشال جورج برسوم Michel Barsoum" " أستاذ هندسة المواد بجامعة           " دريكسل " بفيلادلفيا في بنسلفانيا ، ومعه أثنين من زملائه ، قاموا خلال الدراسة بتحليل ثلاث عينات من أحجار الهرم الأكبر ، أثبتت أن النار ظلت موقده  عشرين عاما لتصنيع الخرسانة التي استخدمت في بناء الهرم  من الطين المنصهر، وهى أول خرسانة استخدمت منذ 2500ق.م أي منذ 4500عام وقد نشرت الدراسة في مجلة "Journal of the American Ceramic Society  " ، وهذه الدراسات أكدها عدد من الباحثين منهم البروفسور "     " Gilles Hug  والبروفسور" " Davidovits  ،  والعالم البلجيكي" "Guy Demortier، والبروفسور الفرنسي" " Joseph Davidovits ولإثبات تلك الحقيقة عملياً , أدعو حضراتكم لزيارة الهرم الأكبر , والصعود لغرفة الدفن , ومحاولة تمرير شفرة حلاقة بين الأحجار الداخلية في الغرفة ، أؤكد لكم أنها لن تمر , ومعنى ذلك عدم وجود فراغات بين الأحجار ، أي أنها ملتصقة تمام الالتصاق ، فلو كانت وضعت الأحجار المقطعة متجاورة لما حدث التصاق بينها بهذا الشكل ، إذن هناك مادة جعلت الأحجار تلتصق وهذا مستحيل ، لأن الحقيقة أنها بنيت بكيفية تضمن التصاق الأحجار وهو ما تم من خلال الطين المنصهر ، فوضع الأحجار المتجاورة مع هذا الارتفاع وعوامل الزمن , كان سيؤدي لدفع الأحجار إلى الخارج وسقوطها حجر تلو الأخر , لكن الواقع أنها وحدة واحدة مترابطة ملتصقة بنيت بالطين المنصهر .
تأتى تلك الدراسات لتتطابق مع النص القرآني في قوله تعالى :
  
وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَٰهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَىٰ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٣٨﴾ القصص: ٣٨   القصص: ٣٨
إن القرآن الكريم لم يُصادم يوماً العلم أو الحقائق التاريخية ، بل نحن من نخلق تلك الإشكالية عندما تعجز عقولنا عن تصديق أمور لم نصل لتفسير علمي لها تقبله عقولنا  لقصور العلم لدينا ، فنضع فروضا من وحى الخيال ، ونبحث عن آيات نطوع تفسيرها ليوافق ما افترضناه ، ومن يخالفه نتهمه بمخالفة الدين ، وليس مخالفة ما اجتهدنا فيه نحن .
محمد عمران : عجباً لك أنت وأمثالك ، تدافعون عن الحضارة الفرعونية أكثر مما تدافعون عن الإسلام ، لماذا تصرون أننا أحفاد الفراعنة ، وتتجاهلون الإسلام  وكفى به حضارة ، نحن مسلمون ولسنا فراعنة ، آن الأوان أن نتبرأ من هذه الحضارة العفنة ، وهؤلاء الكفار الذين أهلكهم الله ، ولعنهم بكفرهم ، فكان أولى بنا هدم تلك الأصنام وتحطيمها .
موريس : قال ساخراً، عجباً لكم ، تظنون أنكم تعيشون وحدكم في هذا العالم ، أحرارا بلا قيود ، بلا قوانين دولية تحكمكم ، آثار مصر ليست ملكاً لكم بل هي ملك العالم , يشرف عليها اليونسكو ، وإن كانت تؤرقكم تلك الحضارة العفنة كما تقولون ، لتتخلوا عنها لأصحابها الحقيقيين , أعطوها لمن صنعوها بالسخرة أعطوها للعبرانيين ، نحن أصحاب تلك الحضارة ولن نحطمها مثلكم ، فنحن نعرف جيداً قيمة التاريخ والآثار ، فمن بنى شيئا لا يمكن أن يهدمه ، لو كنتم أصحاب حضارة كما تزعمون لحافظتم عليها وعرفتم قيمتها .
شمس : الملاحظ هو محاولات البعض الجاهدة حتى من المصريين أنفسهم , أن تُثبت بأي حال أن الفراعنة ليسوا أصحاب تلك الحضارة ، حتى وإن نسبوها للجن كما لو كانت عارا يفرون منه ، لقد قال الله تعالى : 
أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَوَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ۖ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَٰكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْيَظْلِمُونَ ﴿٩﴾

فإن حطمنا آثار من سبقونا في الأرض , فمن أين نأخذ العبرة والعظة ؟  إن الآثار موجودة نتعلم منها التاريخ لنتعظ به لا لنتعبده ، أما دفاعاً عن هذه الحضارة العفنة كما تقول فقد استمرت تلك الحضارة لآلاف السنين قبل الميلاد ، كانت مصر شمس علومها تضيء العالم , وشعب كان مضرب الأمثال في الرقي والانضباط وتقديس كل المعاني الإنسانية ، وأذكر الآن حديث لنبي الله محمد صلى عليه وسلم و هو يقول :  "  خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإسلام إِذَا فَقِهُوا " وأهل مصر كانوا دائماً من خير شعوب الأرض قبل الإسلام , لذلك عندما أسلموا صح إسلامهم وأصبحت مصر منارة لعلوم الدين تمثلت في الأزهر الشريف.
محمد عمران : لا ، أنت تُقول حديث رسول الله تقويلا خاطئا , وتحمله أكثر مما يحتمل , لنرجع لنص الحديث عَنْ  أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قِيلَ : " يا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ النَّاسِ أَكْرَمُ ؟ قَالَ : أَكْرَمُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاهُمْ . قَالُوا : لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ . قَالَ : فَعَنْ مَعَادِنِ الْعَرَبِ تَسْأَلُونَنِي ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ : خِيَارُكُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُكُمْ فِي الإسلام إِذَا فَقِهُوا" فالحديث هنا عن معادن العرب , وليس الشعوب ككل لم تكن مصر عربية .
شمس : حسناً المقصد هو معدن الإنسان إن طاب وصلح في الجاهلية صلح في الإسلام ، وإن جعلنا الحديث مخصصاً عن مصر فقد أقر رسول الله أنهم قوم خير  وعلم , فيهم الخير حتى قبل وصول الإسلام لهم فقد روى مسلم في صحيحة عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم ستفتحون أرضا يذكر فيها القيراط، فاستوصوا بأهلها خيرا، فإن لهم ذمة ورحما ، وقال أيضا عليه أفضل الصلاة والسلام : "اللهَ اللهَ فِي قِبْطِ مِصْرَ ، فَإِنَّكُمْ سَتَظْهَرُونَ عَلَيْهِمْ ، وَيَكُونُونَ لَكُمْ عِدَّةً ،وَأَعْوَانًا فِي سَبِيلِ اللهِ" أخرجه الطبراني في الكبير ، صححه الألباني في السلسلة الصحيحة، نعم كانت مصر قبطية في عهد رسول الله، عندما أوصانا بأهلها ولكن ألم يكن هذا الشعب هو نفسه أحفاد المصريين أبناء مصر الفرعونية، وما ذكرته من أحاديث صحيحة وثابتة .
إن ما حمله المعدن المصري من طيبة وسماحة وخير هو ما جعل المسيحية تنتشر في مصر كأول ديانة سماوية يعتنقها المصريين ويؤمنون بها بوجود الله ، ثم اعتنقوا الإسلام بعد الفتح ودخلوه عن حب وقناعة ، بهذه الروح الطيبة المؤمنة المحبة لله بكل ما تحمله من خير ، وإن كانت الظروف العصيبة التي مرت بها مصر جعلت هناك تغيرات تطرأ على تلك الشخصية المصرية إلا أن معدن المصري يظهر دائماً في الأوقات العصيبة ، أثق أن هذا المعدن لازال باقياً .
سامر : ألا يوجد بالإسلام من حضارة ما يكفى للفخر به ، فأي شرف بعد الإسلام والحضارة الإسلامية ، فلماذا نترك الفخر بالإسلام ونبحث عن حضارة كافرة ننتسب لها .
لكن هذه المرة كان المتحدث باحثا إنجليزيا قال : قرأت الكثير عن الإسلام ، حقاً دين جميل يروي لنا القصص عن الأنبياء والرسل ، يحدد علاقاتك بالآخر، يضع أسس للمعاملات بين الناس ، وجدتها جميعاً أسسا طيبة ، أما أفعالكم على عكس ما هو موجود في كتبكم تماماً ، أجدكم تكذبون , ودينكم ينهاكم عن الكذب ، تسبون , وتقولون أن دينكم ينهاكم عن الشتم والسب ، تسرقون وتقولون أن الإسلام أمركم بقطع يد السارق ، لا تحترمون الوقت , وتقولون أنه أول شيء تُحاسبون عليه بعد الموت ، تستحلون الأموال المُحرمة , وتقولون انه أول شيء يدخلكم النار ، أجد فيكم لغة الغطرسة والتعالي رغم أن دينكم يأمركم بالتواضع ، تغترون بتدينكم وتتهمون الآخرين بالكفر , ثم تنتظرون من الآخر المحبة والتقدير والإيمان بما تعتقدون ، المتدينين منكم ينتهجون التشدد والمغالاة ثم تقولون إن الإسلام دين يُسر لا عُسر ، تهتمون بالمظهر الديني أكثر مما تهتمون بجوهر الدين ، لا تهتمون بالنظافة وتقولون أنها من الإيمان ، تقدرون الأغنياء وتتعالون على الفقراء ، القانون في بلادكم يطبق على الضعفاء ، فهل أنتم حقاً أبناء الحضارة الإسلامية ؟  أرى أن أفعالكم لا تدل على ذلك ، أو أنكم لا تؤمنون بها كما تدعون .
سامر : أذن عليك أن تأخذ بما قرأت و تترك الأفعال الفاسدة
الباحث الإنجليزي : وهل لزاماً على كل إنسان أن يقرأ كتبكم ليكتشف أنه دين يأمر بالخير ، لأن أفعالكم مغايرة تماماً لما ورد في كتبكم  ؟ ألا تشعرون أن أفعالكم هي السبب الأول في الإساءة إلى الإسلام ولنبيكم محمد ؟  حاسبوا أنفسكم أولاً على الإساءة إلى الدين والنبي قبل أن تحاسبوا العالم ، ولا تتوقعوا من الآخرين أن يعمل جميعهم باحثين ومستشرقين ليكتشفوا الحقائق ، فهم يتعرفون على الإسلام من خلالكم .
كانت كلمات الباحث الإنجليزي صادمة لسامر ولغيره من المسلمين بالمؤتمر، فهل أفعال المسلمين تعبر عن كونهم أبناء الحضارة الإسلامية ؟  بالطبع لا، وللأسف كانت كلمات الباحث الإنجليزي في لحظة تبرأ فيها الباحث المصري وغيره كثيرين من الحضارة الفرعونية ، في نفس الوقت الذي لا يمثلون الحضارة الإسلامية ، فبدوا في المؤتمر وكأنهم متجردين من كل جذر حضاري، فمن أين يأتي المستقبل ؟
كان وسط كل هذا الجدل وجها سعيدا مُبتسما ، يشعر بنشوة الانتصار ، إنه         " موريس "، يرى بعينه مصري يُكذب " شمس " ويحاول تحطيم أسطورة حضارته الفرعونية التي يتشدق بها , ويجرد التاريخ المصري من عظمته ، رأى أيضاً المسلمين في عيون العالم بصورة لا تدعوا للتفاخر أو الاحترام ، فما حدث بهذا المؤتمر فاق بكثير طموحاته في رد الصفعة التاريخية والحضارية التي وجهها له     " شمس "، وكان رد الصفعة بيد مصرية ، وكأن لسان حاله يقول شهد شاهد من أهلها .
ابتسم " موريس " وقال " لميشال"  بصوت سمعه " شمس " : حسناً ليسوا أصحاب حضارة فرعونية عظيمة كما يدعون بشهادتهم هم ، وليس حالهم كمسلمين مدعاة للتفاخر بهذا الإسلام الذي يدعون أنه دين الرحمة ومكارم الأخلاق ، الإسلام هذا لن يتعدى كونه أكذوبة صدقوها , وحالهم يعبر عن حقيقة هذا الدين الذي يحمل في طياته العنف والكراهية ، عليهم أن يعرفوا أولاً من هم قبل أن يتحدثوا عن العبرانيين ، اليهود شعب الله المختار .
كاد قلب " شمس " أن ينخلع حزناً وألماً من كلمات " موريس " التي اخترقت مسامعه ، هكذا تحول المؤتمر لصدام حضارات وليس حوار حضارات ، فما كان من " شمس "  إلا أن يستجمع قواه و يأخذ طرف الحديث و ينهى هذا الهراء ويقول :
السادة الحضور أعضاء المؤتمر ، حقاً من ليس له ماض ليس له مستقبل ، فعلينا أن نعرف من نكون ، لنعرف ماذا نريد أن نصبح ، إن كنا فراعنة فالحضارة الفرعونية مليئة بالقيم والمثل العليا ، فلنتعلمها جيداً لأنها ستغير كثيراً من شكل الحياة في مصر ، وإن كنا مسلمين فعلينا أن نتبع هدي النبي محمد في معاملاته وخلقه ، وإن ظللنا على ما نحن عليه فلن نكون إلا عدة ملايين من البشر بلا ماض وبلا مستقبل ، وهكذا سائر الحضارات تحمل من القيم والأخلاقيات ما يجب التمسك به ، أما عن الدين فإنني أذكر قول صديقي المسيحي بمصر إن الديانات تتوافق ولا تتطابق ، خالص الشكر والتحية لكم جميعاً . 
انصرف " شمس " سريعاً من القاعة يملؤه الغضب والحزن ، كيف مرت كل هذه المدة لم يكتشف فيها حقيقة " موريس " صديقه ، وكيف تُهان الحضارة المصرية الفرعونية بهذا الشكل في محفل دولي بأيد مصرية ، بل كيف يصبح المسلمين بهذا الشكل السيئ في أعين العالم ، ويكون أول من يسعد بهذا كله هو " موريس " ، هل استغنى المصريون بهذه السهولة عن حضارتهم ، حقاً إنها كوميديا سوداء ,. فإسرائيل تلهث وراء آثار لها في المنطقة لتمنح نفسها مبررا وسندا تاريخيا وحقا مكتسبا ليس في فلسطين فقط بل من النيل إلى الفرات ، ونحن بكل بساطة نمنحهم تلك الحجة ، غير مكترثين بالعواقب ، ثم نتباهى بكوننا مسلمين ونحن نُقدم الإسلام في أسوأ صورة ، كأننا نقول للعالم هذا هو الإسلام ، فأي مجنون هذا الذي يتبع أو يحترم دينا أصحابه على هذا الحال ، نعم لن يعمل الجميع باحثين ومستشرقين كما قال الباحث الإنجليزي ، هكذا كانت الأفكار تتصارع في عقل شمس والألم يعتصر قلبه .
لكن ما حدث بالقاعة لم يكن كافياً ليشعر " موريس " بنشوة الانتصار ، بل أراد التطلع في عين " شمس " لتزداد سعادته بما يراه من ألم وحسرة وضيق .
ذهب " شمس " إلى مكتبه تاركاً القاعة بعد صدام الحضارات وتلك النقاشات الساخنة ففتح " موريس " الباب و قال له : شفت ازاي حتى كتابكم المقدس ب ينفي إن الحضارة المصرية من صنع الفراعنة ، علشان تتأكد من صدق كلامي ، وإني كنت على حق يا ابن عمي .
شمس : و من إمتى يا "  موريس "  أنتم مؤمنين بالقرآن أو حتى بالإسلام ؟  وأفتكر إني رديت على الباحث اللي أتكلم بالعلم والمنطق ، وعلى فكره اللي قاله الباحث ده اسمه استدلال مش نص قاطع ، مجرد استدلال خاطئ ، ورديت عليه ، أنا مؤمن بالقرآن وعاشق للإسلام وفخور به ، وبالنسبة لفرعون الخروج فأنا مؤمن إن فرعون طرد موسى من مصر وفق ما ورد بالقرآن ، لكن أيضا القرآن لم يذكر اسمه .
موريس : الفرعون هو " رمسيس الثاني " 
شمس : النهارده بس فهمت ليه كنت رافض إننا ندخل مطعم " رمسيس " ، لأنه فرعون الخروج ، إنت رافضه حتى لو كان مجرد اسم لمطعم ، رغم إنك مش قادر ترد على كلامي ، فيه 11 قرن فرق من الزمان بين بناء الهرم وبين " رمسيس الثاني " 
موريس : أيوه  " رمسيس " طرد اليهود من مصر زي ما عمل " عبد الناصر " تمام
شمس : " عبد الناصر " ما طردش اليهود من مصر ، بدليل انه فيه عائلات يهودية لغاية  النهارده  عايشة في مصر ، رفضوا يهاجروا لحبهم لمصر ، قابلتهم أثناء رحلات ليهم في المتحف المصري ، والحقيقة إنه سفر جدك من مصر أكيد كان بناء عن طلب المنظمة الصهيونية ، علشان تسيطروا على صناعة الماس في بلجيكا اللي بالفعل النهاردة تحت إيدين اليهود ، يعنى جدك قام بالدور المطلوب منه بالضبط .
في هذه اللحظة دخل " ميشال " الذي كان يخشى من احتدام الخلاف بين              " شمس"  و" موريس "، فكلاهما صديقه وكلاهما لا يستغني عنه " راديسون بلو "، وكان من الضروري أن يعبر بهما إلى منطقة التصالح لصالح العمل ، فأستكمل " شمس " كلامه بالهولندية لكي يفهم " ميشال " حوارهما .
شمس : " شاؤول " لماذا أخفيت عني أنك يهودي ؟
موريس : الآن أصبحت " شاؤول " وليس " موريس " صديقك ، حسناً، أخفيت لكي لا يحدث ما حدث بيننا الآن وأنا أحبك ، " ميشال " يعلم جيداً أني أحبك ، لهذا طلبت منه ألا يخبرك أني يهودي ، مع الأسف أنتم تنبذون الآخر ، لا ترون أنفسكم على حقيقتها ، أنتم فقط من ترون دينكم يدعوا للمحبة والتسامح بينما تُصدرون العنف والإرهاب للعالم كل ه، فكل كلمة ذكرها الباحث الإنجليزي حقيقة لا تملكون تكذيبها .
شمس : الباحث الإنجليزي قال أن هناك تباين بين ما يدعو له الإسلام وبين أفعال المسلمين ، وهذا يُسمى الفرق بين النظرية والتطبيق ، ديننا لا ينبذ الآخر ، عندما قال لنا القرآن أن موسى نبي الله قلنا آمين ، وعندما قال أن فرعون أضطهد اليهود وأخرجهم من مصر قلنا آمين ، نعم اختلفنا حول الحقبة التاريخية لخروج اليهود وإدعائكم بناء الهرم ، لكن لم نُكذب ما رواه القرآن ، وعندما قال لنا القرآن أن المسيح ابن مريم العذراء قلنا آمين ، وعندما أمرنا ديننا أن نؤمن بكل الأنبياء والرسل قلنا أمين ، لم ننبذ اليهودية ولا المسيحية ، لم نتهم ، لم نسخر ، لم نتهكم ، لم نشكك ، أما عن الإرهاب الذي نصدره فلتبحث عن مُموله ، ستجد أموالكم مصدر تمويل لضعاف النفوس والإيمان ، وعندما تحب أن ترى مظاهر الإرهاب فلتشاهد ما حدث بصبرا وشاتيلا و دير ياسين وغيرها من المذابح بالأرض المحتلة ، فماذا يكون الإرهاب إن لم يكن هذا هو الإرهاب .
موريس : نحن ندافع عن وطننا الذي قمنا باسترداده بعد أن سُلب منا .
شمس : مع الأسف ، كنتم شعب الله المختار ، فعصيتم ، فعاقبكم الله بالذلة والمسكنة والشتات ، وغروركم صور لكم أنكم فقط من عرف الرب ، والحقيقة أن هناك من البشر من عرفوا الرب أكثر منكم ، وصدق إيمانهم فكانوا أكثر منكم محبة وسلام وتسامح ، الإيمان الصادق لا يمكن أن يقود الإنسان إلى العنف والغل والحقد ، والآن تريدون من العالم بأسره أن يدفع ثمن جحودكم وقتلكم الأنبياء بغير حق ، بدلاً من أن تكفروا عن خطاياكم ، وأنتم تعلمون هذا .
ميشال : " موريس " أرجوك كفاك نقاشا واذهب إلى مكتبك ، وأنت يا " شمس " أرى أن الإجهاد أصابك ، اذهب إلى غرفتك الآن لتستريح .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق