الثلاثاء، 30 أغسطس 2016

الفصل 4 - شارع رمسيس ج2


بدأ " ميشال " كلامه بعفوية كعادته مع رئيس المؤتمر الفرنسي الجنسية 
ميشال : " مسيو ريمون " أهلاً بكم في بلدكم الثاني بلجيكا، وكم تعلم محبتنا للفرنسيين على وجه الخصوص، لكن مع الأسف دائما تُطلقون النكات على البلجيكيين ، مثلما يفعل سائر الأوروبيين ولا أعلم لماذا  , إن هذا يزعجنا كثيراً .
ريمون : لا تهتم " مسيو ميشال " هذا كلام العامة ، أما نحن المثقفين فلا نهتم لأقوال ليس لها أساس من الصحة ، وكل هذا لا يتعدى كونه فكاهة .
كان " ميشال "  منشغل بحواره مع " ريمون "  الجالس أمامه على المنضدة ، فأقدم على أكل حبة زيتون وكان محبا له ، فوضع الشوكة على حبة الزيتون وفجأة دون قصد قفزت حبة الزيتون في طبق حساء " مسيو ريمون " ، فاندفع الحساء في وجه " ريمون  " فلطخ وجهه .
كان المشهد مفاجأة مذهلة للجميع ، وبقدر ما كان الموقف مثيرا للإحراج خاصة " لميشال وريمون "، كان مثيرا للضحك من جانب الحضور الذين حاولوا كتم ضحكاتهم .
حاول "  شمس " أن يتمالك نفسه من الضحك ، وتذكر كلمة نور عن عفوية البلجيكيين ، وأنهم دائما محور نكات الأوروبيين ، فدائما تصاحبهم المواقف المُضحكة ، بقصد أو بدون قصد منهم .
عقب انتهاء موعد العمل أصر " موريس "على اصطحاب " شمس " إلى " مقهى أم كلثوم "، وكان " شمس " متشوقا لرؤية هذا المقهى ، والاستماع لأغنيات " أم كلثوم " كما لو كان في ليلة من ليالي " مصر  " بشارع " عماد الدين "، جلس الاثنان يتذكران ما حدث " لميشال وريمون " ويضحكون لدرجة جعلت أنظار الحاضرين تتجه إليهما .
شمس : " ميشال " أكد لكل الموجودين أن كل الكلام اللي بيتقال عن البلجيكيين حقيقي 
موريس : إنت لسه شفت حاجة هو ده " ميشال ايليو " مفيش يوم يعدي من غير موقف كوميدي بس المرة دي الموقف هتحكيه أوروبا كلها وحوض البحر الأبيض كمان .
شمس :  " موريس " غريبة إنك بتتكلم مصري كأنك متربي في حواري " مصر " 
موريس : أيوه أنا جدي كان عايش في " مصر " ، كان بيشتغل في " الصاغة " وسافر بلجيكا ، كان متمسكا جداً باللغة والعادات والتقاليد المصرية ، وكمان والدي ، أنا زرت مصر كثير وزى ما أنت شايف، بقضي وقتي هنا مع العرب والمصريين ومُتابع جيد للقنوات المصرية والأفلام والدراما .
عاد ا سويا إلى الفندق ، وكان " شمس " يرغب في مواساة " ميشال " بعد هذا الموقف المحرج , أما " موريس "  فقال له أنه تعب من كثرة الضحك ، ويريد الذهاب إلى النوم ، لكنط  شمس " أصر على الذهاب لمكتب " ميشال " للاطمئنان عليه 
شمس : كيف حالك الآن " مستر ميشال " 
ميشال : أنا مُستاء جداً لما حدث ، الآن جميع الحاضرين من الأوروبيين سيطلقون النكات عني وعن البلجيكيين ، إنه شيء محزن للغاية .
شمس : أرجوك لا تهتم , هذا الموقف يمكن أن يحدث لأي إنسان عن غير قصد 
ميشال : معك حق ما رأيك أن تشاهد معي هذا البرنامج أسمه  " " Boomerang ، إنه البرنامج الحواري الأول في بلجيكا ، وأنا أحب مُقدم البرنامج كثيراً ، هو مذيعي المفضل " إيريك هارتمان " سيتحدث اليوم عن العمليات الجراحية الفاشلة 
شمس : يبدو أن الأخطاء الطبية محور شكوى في جميع دول العالم حتى المتقدمة . 

بدأ البرنامج بقول المذيع " أهلاً بكم ، سنتحدث اليوم عن العمليات الجراحية الفاشلة ، ومعنا ضيوف البرنامج ممن أجروا تلك العمليات ، وهى سيدة حضرت مع زوجها من " دارفور " وسيحدثكم الزوج الآن عن مأساة زوجته  بدأ الزوج في الحديث ، حقاً كانت نبرات صوته غريبة تقول أنه هو الذي يعيش مأساة لا الزوجة , مما جعل المذيع ينفجر من الضحك بشكل جنوني مبالغ فيه , ومثير للضحك أكثر من صوت الضيف الغريب ، فقد كان تصرف المذيع غريب على العمل الإعلامي ، حينها شعر " ميشال " بالإحراج ، أما " شمس " لم يستطيع هذه المرة أن يتمالك نفسه من الضحك .
ميشال : نحن شعب دائما يحالفه سوء الحظ
شمس : لا عليك " مستر ميشال " لتنسَ كل ما حدث اليوم، ولتنسَ مذيعك المفضل أيضاً ، لأنه غالبا سيتم إيقافه عن العمل
مرت الأيام ، و" شمس " يباشر أعماله بين ورشة تقليد التماثيل الفرعونية ، وإعداد اللوحات الإرشادية التي توثق تاريخ كل قطعة أثرية ، ومتابعة قاعة المؤتمرات ، ويختتم يومه بالسهر مع  " موريس  " في  " مقهى أم كلثوم "
وبعد عدة أسابيع عُقد مؤتمر الجمعية الأوروبية لجراحات المخ والأعصاب ، ووفق طبيعة عمل "  شمس " ، كان عليه أن يُلقى كلمة الترحيب وافتتاح المؤتمر ، ليثبت عن جدارة أن كلمته الافتتاحية إضافة لكل مؤتمر يتواجد به . 
شمس : السادة الأطباء الحضور تحياتي وتحيات جميع العاملين " براديسون بلو "، لتشريفكم لنا بعقد مؤتمر الجمعية الأوروبية لجراحات المخ والأعصاب، ومنحنا فرصة المساهمة المتواضعة لخدمة الإنسان في هذا التخصص الطبي الدقيق . 
لقد كانت لأوروبا أياد بيضاء في النهضة العلمية في الطب ، خاصة في أعقاب الثورة الصناعية التي بدأت في القرن الثامن عشر، مما كان له انعكاس كبير على تطور الصناعات الخاصة بالمجال الطبي ، وتطور الآلات والأجهزة الطبية ، وبلغت هذه النهضة ذروتها في مطلع القرن العشرين مع الاكتشافات المذهلة في عالم الأمراض، وهى نفس الحقبة التاريخية التي أصبحت فيها جراحات المخ والأعصاب فرعاً مستقلاً من الجراحة . 
لكن على عكس ما يعرف الكثيرين فجراحات المخ والأعصاب بدأت منذ آلاف السنين قبل الميلاد وليست حديثة كما يظن البعض ، فلم تكف محاولات الإنسان عن إجراء تلك الجراحات بالمخ ، والتي أُجريت في مناطق كثيرة من العالم ، ومع الأسف لم يستمر المريض بعدها على قيد الحياة ، لكن الفراعنة استطاعوا بالفعل التشخيص وتحديد مكان الجراحة ، وإجرائها , واستمر المريض بعدها حياً , وتماثل للشفاء ، تمت الجراحة من خلال عمل ثقب صغير بالمخ مستخدماً أله خاصة لتلك الجراحة . 
ربما يشكك البعض في صدق تلك الرواية ، لكن يؤيد هذا الكلام الجمجمة الموجودة بقسم المصريات بالمتحف البريطاني في صندوق زجاجي مكتوب عليه         " عملية تربنه جراحة من جراحات المخ بمصر القديمة منذ 2000 سنة قبل الميلاد " 



و هذه صورة لبردية توضح المريض موضوع على منضدة العمليات متجردا من الثياب و يقوم الأطباء بعلاجه

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد لتلك الحضارة الضاربة الجذور في أعماق التاريخ ، بل وصل التقدم في المجال الطبي لتحديد الدرجات العلمية والوظيفية للأطباء ، وتحديد التخصص في المجال الطبي ، فكل طبيب يُعالج نوعا واحدا فقط من الأمراض .
بشغف واحترام شديدين كان الأطباء يستمعون لمحاضرة " شمس " التي كانت ترقى لكونها محاضرة تاريخية طبية وليست مجرد كلمة افتتاح
 استكمل شمس كلمته، إن الطبيب في مصر القديمة كان يدعى "  swnwسنو " وهو مسمى للطبيب بشكل عام ، كان يوجد طبيب الأسنان ، والعيون ، والبطن ، والرأس ، وهكذا سائر التخصصات 
كان أشهر الأطباء على الإطلاق هو " حسى رع Hesy-Ra " وكان وزيراً في عهد " الملك زوسر " منذ 2668  ق.م – 2649 ق.م  حيث وجد في مقبرته نقش على لوحة 



" حسى رع "

خشبية يشرح اسمه ووظيفته "  wr-ibḥ-swnw " أي كبير أطباء الأسنان في عهده 
أما التدرج العلمي في مجال الطب فيكون بدرجة طبيب , ثم كبير الأطباء , ثم مفتش الأطباء , ثم مدير الأطباء 
كانت المؤسسات التعليمية موجودة بمصر مثل "pr-cnh  " " بر عنخ "  أو " بيت الحياة " وهى مؤسسة تعليمية بحثية لمختلف العلوم ، ومنها الطب ، أما الطب فانتشر في عدد كبير من المعابد الكبرى كعين شمس في القاهرة ، وتل بسطة بالزقازيق ، وصا الحجر بالغربية ، وأبيدوس في سوهاج ، وكان للالتحاق بمدارس الطب بمصر القديمة شروط هي :-
التفوق في مراحل التعليم السابقة بما يعنى وجود مراحل تعليمية 
أن يكون من عائلة ميسورة 
الإلمام بعلوم الدين والسحر والمعارف العامة 
اتفق الأطباء على دراسة القلب كأساس في كل العلوم الطبية المختلفة، فلا يوجد طبيب مصري لا يدرس القلب كأساس لعلم الطب 
أختتم " شمس " كلمته الافتتاحية ، ربما نكون قد أطلنا على حضراتكم لكنها نبذه من تاريخ الطب المصري والعالمي أيضاً ، ومحاولات الإنسان الدائمة لخدمة البشرية ، وتخفيف آلام المرضى ، وشكراً لحسن استماعكم 
أنهى كلمته , فطلب رئيس المؤتمر الكلمة ، وكان الطبيب الألماني " اندرياس اونتربرج "، فتحدث قائلاً :
قبل أن أبدأ فعاليات المؤتمر ، وأرحب بالسادة الحضور ، أسمحوا لي أن أوجه الشكر لفندق " راديسون بلو " استضافة ورعاية المؤتمر ، كم أود تقديم بالغ الشكر للسيد " شمس " الذي تفضل بإلقاء كلمة عظيمة جداً ، كان فيها شديد الرقي عندما بدأ بدور أوروبا في النهضة بالمجال الطبي منذ بدء الثورة الصناعية , مرورا بالنهضة الطبية في مطلع القرن العشرين ، وكانت بداية موفقة ، وثق خلالها الجذور التاريخية لاستقلال تخصص جراحة المخ والأعصاب , لدرجة جعلتني أشك انه طبيب متخصص ، مُلم بجذور المهنة ، إلا أن السيد " شمس " اصطحبنا في رحلة طويلة عبر كهف مُظلم في نفق طويل من التاريخ ، جعلتني أرى بعد هذا النفق الطويل نور شمس لا أستطيع معه أن أفتح عيناي من شدة الضوء ، حتى أن عقلي لا يستطيع تصديق أن هذا العلم ، وهذه الدقة ، والتخصص ، والتدرج العلمي ، يرجع لآلاف السنين قبل الميلاد ، ولا أخفي عليكم أنني أُصبت بصدمة فكرية لمعرفة هذه الحقائق ، لدرجة جعلتني أقرر الخروج من المؤتمر لزيارة المتحف البريطاني ورؤية هذه الجمجمة ، إن الفضول يدفعني الآن دفعاً لمعرفة المزيد والمزيد عن تلك الحضارة ، التي أجد أنها ظُلمت ظلماً كبيراً بإغفالها في الكتب العلمية ، والطبية ، وهذا الظلم ليس نابعا من العالم الذي ربما لا يعلم الكثير عنها ، وهو يؤرخ لتاريخ الطب ، بل نابع من أصحاب تلك الحضارة أنفسهم في عدم تعريف العالم بما يكفي بها ، ولهذا يجب أن تُحيوا معي " شمس المصري "، أو " أتن المصري " كما يقول عنه " السيد ميشال " الذي وعدني قبل المؤتمر بالاستماع لمقدمة فريدة من " اتن "، لكن لم أكن أتوقع أن تكون بهذا المستوى المُبهر الذي أضاف للمؤتمر ، شكرا لك " أتن  "
كان " ميشال " في غاية السعادة بنجاح المؤتمر، وكلما مر يوم يزداد حبه "لشمس " حتى أصبح مُقربا له أكثر من " موريس " نفسه ، وكان هذا الحب يزداد بعد كل نجاح يحققه شمس ، ضاعف من هذا الحب انجذابه وانبهاره بالحضارة الفرعونية 

عقب المؤتمر طلب " ميشال " من " شمس وموريس " أن يشاركاه شرب الشيكولاتة الساخنة بالمارشيملو ، احتفالا بخروج المؤتمر بهذه الصورة المُشرفة ، دون أن يحدث أي موقف محرج ، كما أراد أن يشاركاه في هذا التوقيت مشاهدة المؤتمر الهام والمذاع على الهواء مباشرة من القصر الملكي ، حيث سيلقى ملك بلجيكا كلمة هامة ينتظرها الشعب البلجيكي  وكل وسائل الأعلام ، وبالفعل جلسوا  سويا  في مكتب " ميشال " ، ينتظرون كلمة الملك على شاشة التلفزيون . 

وبالفعل انتقل البث المباشر إلى القصر الملكي استعداًدا لإلقاء الملك كلمته .
ميشال : أعتقد أن كلمة الملك ستكون هامة جداً ، وسيتابعها العالم بأسره ، لقد أصبحت الأحداث في العالم كله سريعة ، ومتلاحقة , حتى في بلجيكا نفسها 
موريس : تعتقد ستكون الكلمة عن ماذا ؟  
ميشال : لا أعرف  , لكن بالتأكيد ستكون بالغة الأهمية ، صدقوني إلى الآن لم تأخذ بلجيكا المكانة الحقيقية لها وسط بلدان أوروبا 

بدأ الملك كلمته عبر البث المباشر من قاعة الاجتماعات الملكية ، وفجأة فُتح باب خلف الملك فيفاجأ الملك بل العالم بأسره بدخول ولى العهد ب " روب الاستحمام " ، لقد دخل ولى العهد على سبيل الخطأ لقاعة الاجتماعات بدلاً من الدخول إلى غرفته ، فكان وقع المفاجأة كالصاعقة على الملك , والحاضرين , والمشاهدين .
أخذ " ميشال " يضرب المنضدة بيده , ويدب برجليه على الأرض قائلاً : يا لهذا الحظ العسر , الآن ستحكى أوروبا كلها عن ولى عهد دخل إلى القاعة الملكية ب " روب الاستحمام " سنصبح مادة سخرية لأوروبا بأكملها 
كان " ميشال "  ثائرا بينما " موريس وشمس " لا يستطيعان التقاط أنفاسهما من الضحك
شمس : لا عليك " ميشال "  لقد أراحك اليوم ولى العهد من عناء المواقف المضحكة ,  كما أنه لا يصح أن تكون منافسا له في يوم تاريخي كهذا 
موريس : إن قلبي الضعيف لم يعد يحتمل مزيدا من الضحك , يكفى هذا , سأذهب و شمس"  لمقهى أم كلثوم " 
خرجا من الفندق متجهان إلى المقهى , وفى منتصف الطريق توقف " شمس " فجأة
شمس : أنا مش عايز أروح القهوة , أنا جعان وزهقت من الأكل البلجيكي , أفتكر إنك قلت لي فيه مطاعم مصرية صح 
موريس : طبعا يا حبيبي بس كده يا لا بينا
وفى شارع به عدد من المطاعم المصرية وقف " شمس " يقرأ الأسماء وهو في غاية السعادة، هذا مطعم " كليوباترا "، وهذا " حتشبسوت "، وهذا " توت عنخ أمون "، وفجأة وقعت عين " شمس " على مطعم " رمسيس " فدمعت عيناه اشتياقا " لمقهى رمسيس " و "شارع رمسيس "  بل لمصر كلها 
شمس : موريس تعالى هنا أرجوك في مطعم رمسيس
موريس : لا أرجوك بلاش فيه مطاعم مصرية كثير ، كليوباترا كويس
شمس : وليه رمسيس لأ 
موريس : أرجوك بلاش " رمسيس  " اختار أي مطعم ثاني 
شمس : فيه إيه ؟ فيه مشكلة بينك وبين حد هنا ؟ ، حد مداينك بحاجة قول ما تخافش
موريس : " شمس " بلاش هزار أرجوك بلاش هنا 
شمس : لو ده يزعلك خلاص تعالى نروح " كليوباترا " مش هتفرق عندي كلهم مصريين ، وكلها أكلات مصرية 
صحيح إن هذا الموقف مر بسرعة , لكن " شمس " ملأه الفضول لمعرفة أسباب ضيق " موريس " لهذه الدرجة ورفضه الدخول لهذا المكان ، لكن ربما يكون هناك خلاف بينه وصاحب المطعم ، ربما 

مرت الأيام , ومؤتمر يعقبه مؤتمر، والصداقة تجمع بين " شمس " و" موريس " ، الذي يعتقد " شمس " أنه شاميا حفيدا لجد قضى حياته بمصر ، كان " موريس " حريصاً ألا يتحدث عن جنسيته ولا يتطرق كثيراً للحديث عن عائلته ، فلم يشاهده شمس مرة واحدة يذهب إلى الكنيسة أو يحضر قداس ، ولم يكن لديه من التطفل أن يسأله , فالكثيرين من المسيحيين الغربيين غير متدينين ، ربما يكون واحد من هؤلاء ، حتى جاء مؤتمر حوار الحضارات العربي الأوروبي الذي أقيم في بلجيكا تحت رعاية "راديسون بلو"، وهو المؤتمر الذي اكتشف " شمس " أنه كان صدام الحضارات و ليس حوار الحضارات .

في هذا اليوم شعر " شمس " بالتفاؤل بوجود مؤتمر يخلق حوارا ثقافيا بين العرب والأوروبيين ليصحح الكثير من الأفكار المغلوطة عن الحضارة الفرعونية ,  والإسلامية أيضا ً، كذلك نقل الفكر الغربي المنفتح إلى المفكرين العرب ، ليخلق هذا الحوار فكراً جديداً مختلفاً . 

بدأت فعاليات المؤتمر الذي حضره ممثلون من الدول العربية والأوروبية بالكلمة الافتتاحية "لراديسون بلو" والتي يلقيها  " شمس "  كما جرت العادة 
شمس : السادة الحضور أعضاء المؤتمر ، أسمحوا لي أن أعبر عن بالغ السعادة لعقد هذا المؤتمر بفندق "راديسون بلو" راعى المؤتمر ، آملين أن يخلق هذا الحوار فكراً جديداً , يكون له انعكاساته على حل الكثير من المشكلات الدولية ، وتقريب وجهات النظر بين مختلف الدول العربية ، والأوروبية ، فالعلاقات بين أوروبا والعرب ليست وليدة اليوم ، بل هي علاقات تتسم بكونها ضاربة في أعماق التاريخ ، فالمنطقتين تتمتعان بجذور تاريخية عريقة , وعميقة , ومتشابكة ، فلم تكن الحضارة الأوروبية مجرد تماثيل , ومعابد , ومسارح , بل كانت موسيقى ، وفلسفة ، وأدبا ، ورياضة ، ولم تكن شبه الجزيرة خياما ,  وصحارى، ورعي أغنام ، بل كان بها الشعر , والفروسية , والأخلاق العربية بكل ما تحمله من شهامة ,  وكرم , ورقي ، ورسالة سماوية غيرت شبه الجزيرة ، شهد لها العدو قبل الحبيب ، كما لم تكن مصر مجرد أهرامات شُيدت بأيدي المصريين , بل كانت طبا ,وفلكا وهندسة , وزراعة , وصناعة ، تحياتنا لكم جميعا ، وأمانينا بعالم يسوده المحبة والسلام .

لم يتوقف " شمس "  كثيرا عند الحديث عن الحضارة الفرعونية , فالمؤتمر حوار بين مختلف الحضارات ، لكنها كانت المرة الأولى التي يقف فيها " موريس "  يطلب الكلمة بعد " شمس " ، وقد بدت عليه علامات الضيق .
موريس : تحياتي لكم جميعا ، وتمنياتنا أن يكون هذا المؤتمر بداية لحوار هادف ، وفكر ثقا في مختلف , ينبذ التمييز والإقصاء بين دول العالم ، لهذا دعوني أحدثكم عن حضارة أعلم أنه سيتم تهميشها أو تجاهلها عمداً ، سأحدثكم عن حضارة العبرانيين بُناة الأهرام ، فكم تم تزييف التاريخ عمداً لطمس معالم تلك الحضارة ، حضارة أجدادي التي أريد أن أحدثكم عنها اليوم . 

وقعت الكلمات كالصاعقة على مسامع " شمس " والكثيرين من الحاضرين ، وبهدوء اقترب " شمس "  من " ميشال "  يسأله بصوت منخفض : هل موريس إسرائيلي ؟ فأجابه : اسمه موريس زكريا شاؤول , يهودي الأصل ، فقال " شمس" : أعرفه موريس زكريا , ظننته مسيحيا من الشام ، الآن فهمت , ولكن لتعلم " ميشال  " أنى لن أسمح بسرقة تاريخ بلادي .
ما كان يصح أن يُقاطع " شمس موريس "  أثناء كلمته , لذلك انتظر حتى يُنهى مداخلته التي تحدث فيها عن أمجاد العبرانيين ، وأياديهم البيضاء في بناء الأهرامات , وأبو الهول , بكل عناد وإصرار على تزييف الحقائق ، وما أن انتهى من كلمته حتى وقف "  شمس "  يصحح إدعاءات الإسرائيليين الكاذبة .
شمس : السادة الحضور من تحدث إليكم الآن هو زميلي وصديقي العزيز                " موريس زكريا شاؤول " ، صدقوني حتى تلك اللحظة لم أكن أعرف اسمه كاملا ً، جمعتني به صداقة قوية ، لكن هذا لن يمنعني من تصحيح بعض الأمور بالأدلة , والبراهين , والحقائق التاريخية التي لا تقبل الشك .

يقول اليهود أو بنو إسرائيل أن تواجدهم بمصر بدأ مع دخول أخوة سيدنا يوسف لمصر، وظلوا بها مدة 460 عام كما تقول النصوص الدينية لديهم، إذن فلا يمكن أن يكونوا متواجدين من الأسرة الرابعة وقت بناء هرم خوفو من  2580 إلى 2566 ق.م ، وحتى الأسرة التاسعة عشر في عهد رمسيس الثاني وهو فرعون الخروج كما يزعمون ، والذي حكم مصر في الفترة من  1303 -1213 ق.م فالفارق الزمني بينهما ما يقرب من 11 قرنا  من الزمان وليس 460 عاما فقط .

يقول المؤرخون أيضاً أن الهرم الأكبر تم بناؤه في 20 عاما , فلماذا لم يقم  العبرانيون في 460 عاما فترة تواجدهم وفق حساباتهم ببناء المزيد من الأهرامات ؟، لماذا أيضا لم نجد بالنصوص والنقوش المرسومة والمتعلقة ببناء الهرم ما يشير إلى العبرانيين أو حتى كلمة عبرية واحدة طالما أنهم هم البناة الفعليين ؟ فكان من السهل عليهم أن يضعوا نقوشا عبرية ،  لكن للحقيقة العلمية أنه وردت كلمة إسرائيل مرة واحدة  بلوحة الملك " مرن بتاح " ابن الملك رمسيس الثاني , وبالبحث تبين أنها لا تعنى بني إسرائيل .
كما يوجد نص للملك أمنحتب الثاني والذي كان في الحقبة من 1427 إلى 1401ق.م يقول فيه جلبت 3600 من الأسرى من العبرو ، والسؤال هنا هل العبرو تعني العبرانيين الذين عبروا نهر الأردن فتم أسرهم ، علماً بأن بني إسرائيل لم يدخلوا أسرى بل دخلوا أخوة ليوسف ، فلو استقرينا أنهم عبروا نهر الأردن للدخول إلى كنعان وتم أسرهم , إذن لم يكن موطنهم فلسطين من الأصل ، علماً بأن تلك الحقبة  -  وهى حقبة أمنحتب الثاني  -  بعد بناء الهرم الأكبر بمئات السنين .
أما فيما يخص بناء الهرم ، فالهرم له مهندس تولى إنشاءه اسمه " حم إيونو " ، تمثاله مازال موجودا بمتحف برلين , ودرس في " جامعة أون " أي " جامعة عين شمس " ، وعلى لوحته يوجد نقش يقول إنه المسئول عن الأعمال الإنشائية في عهد الملك خوفو ، ومعنى " حم " كاهن ومعنى " إيونو " عين شمس ، والسؤال هنا ، في أي حُقبة تاريخية تواجد العبرانيين ؟ وكيف قاموا ببناء الأهرامات ؟ .
كان ما ذكره "شمس" من حقائق تاريخية كفيل بأن يزيد من غضب " موريس"  ، لكنه في نفس الوقت لا يملك دفع حجة " شمس " بحجة تاريخية أقوى منها ، لكن ما لم يتوقعه " شمس" كان من باحث مصري يُدعى " سامر رضا " عندما وقف ثائراً يقول إن قوم عاد هم بناة الأهرامات رغم التكذيب ، أنتم تزورون التاريخ ، فكيف رفع المصري العادي أحجار الهرم ، عليك بإعمال العقل لتعلم أن قوم عاد هم بناة الأهرام ،  كيف للمصري أن يُقطع أحجاراً بهذا الحجم والوزن ,  ينقلها ويضعها بهذه الدقة المتناهية , وبهذا الارتفاع الشاهق ، أين أدوات تقطيعه ، أين أدوات نقله ، إلا لو كانوا بشرا ذوا طبيعة خاصة ، ولنرجع إلى كتاب الله  

‏{‏أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ، إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ‏}‏ ‏[‏سورة الفجر‏:‏ الآيات 6-8‏]‏ 
والعماد هنا الأبنية العالية وهى مساكنهم التي اتخذها المصريون بعد ذلك قبوراً , ووضعوا عليها نقوشهم ونسبوها إلى أنفسهم , أما الدليل أن قوم عاد مصريين        
  
{وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِما تَعْلَمُونَ (132) أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (133) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (134) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (135)}.
 تقول الآيات إن عادا كفروا بالله بعد أن وهبهم جنات وعيون فأين تكون جنة الأرض إلا في مصر، إذن هم مصريين ، ومن يُكذب بهذا فهو يُكذب آيات الله  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق